الأحد، 28 ديسمبر 2014

"السيدة مريم .. سيدة الصمت !"

السيدة الجليلة مريم بنة عمران - والدة النبي عيسى (ع) ، و هي صاحبة تلك القصة المؤثرة ، و التي تكون عند البعض -من ديانات أخرى لربما- غريبة !
ولكن بين سطور هذه القصة حكاية أخرى و عبرة علينا استخلاصها ..

"الصمت" ، هو الشيء الوحيد الذي أمرت به السيدة مريم حين أقبلت على قومها ؛ فجعلتهم بذلك الصمت يجولون في بحور تفكيرهم العميقة و يضعون لأسألتهم أجوبة ، و قد تكون هذه الأجوبة ليست مقنعة للعقل البشري أحيانًا ؛ فإنطلق -بإذن الله- جواب من ذلك الصغير الذي تحمله بين يديها (معجزة).
ومن هنا ، بدأت معجزات الصمت و التي ما زالت تتواجد حتى في أيامنا هذه و لكن .. بنكهة أخرى !

الصمت ؛ هو عدم التحدث و تجميد ردود الفعل. و الصمت -كما هو منتشر بين الناس- هو النقطة الفاصلة بين الضعيف و القوي ؛ في حين كونه -عند الحكماء- هي اللحظة المخيفة عند الانسان.
و هذه النقطة المنتشرة عند عامة الناس هو التعريف الخاطئ للصمت وفي حدود هذه الدنيا ذات المشاكل العديدة فإن الصمت يلعب دور كبير في ترقية العقل من الاختلاط مع العقول الصغيرة ، فضلًا عن اكتشاف هوية الأشخاص ؛ فالصمت ردة فعل ذكية جدًا تجبر الطرف الآخر على ردة فعل تكون -في الغالب- غير مدروسة ! كما إن التزام الصمت لا يعني الضعف و الخنوع ، فصمت الأئمة سلام الله عليهم في كثير من المواقف ، لا يترجم أبدًا على إنه ضعف ، فهنا يترجم الصمت على إنه صبر.

و يبقى الصمت ذو التأثير الفعال ، له ضرر واحد ؛ فليس كل البشر من صنف واحد و لا كل البشر يتحملون الصمت و السكوت في أغلب الأحوال يحمل القلب عبء لبرما يكون ثقيل على البعض ، فهنا يظهر منعطف تمايز بين البشر - فمنهم من يستطيع تحمل أضرار الصمت و افراغها دون اللجوء لأحد ، و منهم من يحتاج لوجود شخص بجانبه ليعينه على ذلك .. و لا نستطيع حصر الطرق و لا كيفيات التصرف ، فهناك الكثير الكثير منها ؛ ولكن يبقى التخلص منها أمرًا مهمًا جدًا ؛ لكونه يجر لأمراض مستقبلية نفسية كانت أو حتى جسدية.

أسلوب الصمت ، اسلوب راقي في التعامل و الرد ؛ و يترجم على حكمة و صبر في الشخصية - كما يعمل عمل المرايا للأقنعة و القلوب ، فيكشفها و يسقطها .. و لكن ليس كل فعل يرد عليه بالصمت ؛ فهناك ردود فعل لا تتحمل الصمت و يكون الصمت فيها هو الخطأ بعينه ، فعلينا أن نعي لذلك فلا نعمم الصمت كحل لكل شيء.
عند امتلاكنا لسلاح فتاك في وجه البلايا و الصعاب كالصمت ؛ فإننا لن نحمل هم بعد اليوم في مقابلة أية مشكلة ، إن ما كنا نعلم كيف نستخدم هذا السلاح و في أي وقت.

الجمعة، 31 أكتوبر 2014

"نحن العطاشى يا حسين - هل من توبة ؟"

و في موسم الثقافة العقلية و تحت راية مدرسة عاشوراء المرفرفة في ميادين الفكر و الفلسفة تستوقفنا قصة معبرة كان لها الأثر في نفوس الكثيرين ممن أشغلتهم الدنيا بزينتها و أغوتهم نفوسهم فأكتسوا سواد أعمالهم هي قصة الحر بن الحرة "الحر بن يزيد الرياحي" رضوان الله عليه 

كان الحر يوم العاشر من المحرم المثل الأسمى و الآية المؤثرة لنموذج الشخص المقبل على دخول النار ثم تاب فحين قبل الله توبته دخل الجنة في أعلى المراتب ! الحر ، ذلك الرجل الذي قطع على الإمام طريقه و الذي قال له الحسين (ع) : ثكلتك أمك يا حر ، روعت بناتي... ، الحر ذلك الذي وقف في معسكر يزيد بدايةً و كان يأتمر بأمر بن سعد ، الحر الذي بشر بالجنة و هو كان مقدم على قتال سيد الشهداء ، أي جنة هذه التي يبشر بها شخص سيقدم على قتل السبط حسين ؟ 

لم يكن الحر نموذجًا فريد من نوعه إلا لكون الحر قد مر بمراحل التوبة جميعها ، أولها هو التفكر في أمر النفس و مراجعة موقف النفس و ذلك ما فعله حين نظر إلى صفه و هو يقاتل من لحساب من ، ثانيها وهو النية لتغيير الموقف الخاطئ و استبدالها بالموقف الصحيح ابتغاء مرضاة الله و ذلك تجلى واضحًا حين توجه الحر للحسين تاركًا معسكر بن سعد طالبًا التوبة ، ثالثها الثبوت على التوبة حتى يقبلها الله عز و جل و هو الموقف الذي ثبت عليه الحر في يوم العاشر حين كان يقاتل بنو أمية قتال الثابت على موقفه الغير مبالي بالموت و كثرة الأعداء

و بالتمعن في نموذج الحر يوم العاشر من المحرم نرى أن ثمة نموذج آخر يعكس حال الشخص المستمر على المعصية و النفس الغير متقبلة لسياسة التوبة ألا و هم جند يزيد الذين استمروا في قتال سيد الشهداء لنيل جائزة الأمير دون الإكتراث بأحد ، فالموقف واحد و الصف واحد و لكن ثمة قلوب عماها الله تعالى عن توبته و ثمة قلوب هداها عز و جل لطاعته ، و هنا يتجلى مفهوم التوفيق الإلهي لطريق الله عز و جل ، حيث يقول تعالى :( يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ). و قد يطرح البعض هذا التساؤل في ظل الحديث عن المدد الإلهي : هل لقتلة الحسين توبة ؟ يقول زين العابدين مجيبًا عن هذا السؤال : لو استغفر قاتل ابي لغفر الله له...

يا لعظمة الخالق حين يقبل توبة حتى من اقترفوا ذنب كقتل سيد شباب أهل الجنة ، و لكن الخلل لم يكن إلا في قلوبهم فقد ختم الله عليها و أعماها عن طريق التفكير في التوبة و الإستغفار له سبحانه.
نحن متخيرين الآن ، بين البقاء كجند يزيد أم اللجوء للتوبة كالحر و أي الطريقين تختارون ؟ فليكن محرم هذا بداية قصة معبرة أخرى عنوانها "أريد أن أكون كالحر"

مأجورين يا توابين 

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

"نحن العطاشى يا حسين - سفير السلام"

الرابع من شهر محرم الحرام هو المخصوص لشخصية مهمة في ملحمة كربلاء الخالدة ، هي شخصية مسلم بن عقيل بن أبي طالب و هو المبعوث من قبل الإمام الحسين (ع) لأهل الكوفة بعد أن تلقى الإمام رسائلهم المتبنية نصرته ، و في رحلته الطويلة حتى شهادته قام مسلم بدوره على أكمل وجه و كان خير مبعوث حمل رسالة الإمام و ضحى لإيصالها

"مسلم بن عقيل" ما إن ننطق بهذا الأسم حتى تختفي كل المسميات في أذهاننا (كنيته ، ألقابه) ، و يبقى لقب "سفير الإمام الحسين" هو اللقب المتصل بهذا الإسم ؛ فبلا شك لقب السفير طغى على بقية الألقاب و أصبح المترسخ في ذهون الناس منذ سنين مضت ، و ذلك يعود إلى كون اللقب متصلًا بالإمام أولًا و كونه ذا منزلة و مقام تغبطه عليه بقية الألقاب ثانيًا

السفير كإسم في اللغة هو الرسول و المصلح بين قومين ، كما إنه فاعل من سفَرَ ، و سفَرَ الرجل أي ارتحل الرجل و قطع مسافة ، فالسفير هنا بصورة مبسطة هو من سافر عن دياره حاملًا رسالة يقصد بها منطقة ما ، و لكون السفير شخص يحمل رسالة ذات غاية و هدف أي شخص يحمل تراث / فكر / مبدأ و يقاتل لإيصاله و الحفاظ على عدم تشتته ، فإنه ذا شأن عالي و كونه يقوم بذلك فذلك يستجلب له الإحترام و التقدير ، و لا يغيب عن أذهاننا أن السفير هو شخص منتقى و هذا ما يعطيه ميزة أخرى

و نحن إذ نخرج من البحرين متوجهين لبلاد أخرى بقصد التجارة ، السياحة ، عمل ، دراسة ،... فإننا سفراء نحمل رسالة عنوانها حضارتنا و ديننا و فحوها إننا لهدف نسعى متوجهين ! و نحن بكوننا قد تركنا وطننا فنحن سفراء لهذا الوطن نحمل رسالة كمسلم بن عقيل ، عنوانها سلام الإسلام و فحوها نحن طلاب نصارع ثلوج البرد و أمواج الحرارة لننال شهادة تخرج في نهاية المطاف ، و كما قاتل مسلم حين اعترض البعض طريقه و رسالته ، فنحن سنقاتل كل العقبات التي تحول دون الوصول لهدفنا و إن كنا لوحدنا تمامًا كما كان مسلم في الكوفة

فلنكن كمسلم ، متحملين عبء رسالتنا و مواصلين على هذا الدرب حتى آخر نفس .. بالتوفيق جميعًا - مأجورين

السبت، 25 أكتوبر 2014

"حادي محرم بين نارين !"


يقول صادق الآل: "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا"، تعود علينا في هذه الأيام الذكرى السنوية لإستشهاد سيد الشهداء و منبع الفكر الخالد الإمام الحسين بن علي (ع)، فها هي خطوات محرم تتوقف، و السواد يعم أرجاء القرى و المآتم، أصبحنا نعد الليالي ترقبًا لبزوغ هلال الشهر الحرام و تذكر مصيبة لم و لن تفقها في الشدة مصيبة، و نحن إذ نفعل ذلك إنما نمتثل لدعوة الإمام الصادق من جهة و نستذكر القضية الإنسانية التي سعى لنشرها سيد الشهداء منذ قرون مضت، إنها قضية كربلاء - كربلاء التضحية و العبر-، لكن و مع استهلال شهر محرم تنطلق شرارة حدث كروي مترقب فنصبح بين نارين! نار في خيام زينب، و نار في ملعب البرنابيو.

من أمتع و أكثر الأحداث الكروية جاذبية هو ما يطلق عليه مسمى (الكلاسيكو) و هو مباراة تجمع بين فريقين عريقين ذا سيط عالمي يعتبرون الأقوى في أرض ما، و لعل أكثر الكلاسيكوات متعة و الأكثر متابعة هو كلاسيكو ريال مدريد و برشلونة الذي ينتظره الكثير و يعدون الأيام لقدومه، و ما يميزه هو الطابع الحماسي الذي يخلقه في المتابعين فضلًا عن كون المباراة احتدام بين عمالقة في كرة القدم كميسي و رونالدو و غيرهم، جاذبةً شريحة مجتمعية كبيرة لمشاهدة هذه المباراة و الإندماج في أحداثها -بالمناسبة أنا مشجع برشلوني و أتمنى الفوز لبرشلونة-.

و يصادف موعد الكلاسيكو هذه المرة أولى ليالي الشهر الحرام، وقت المباراة الذي سيكون مواكب لوقت قراءة المآتم هو العقبة التي ستواجهنا كمتابعين مترقبين لهذه المباراة، فسنكون حينها بين مفترق طرق فإما تذهب لمتابعة المباراة أو تتنقل بين المآتم، و بناءًا على جواب السؤال "أيهما أكثر أهمية ؟" سيتحدد ما ستقوم بفعله، و قد يكون الحل الأكثر إنصافًا و الأكثر تقبلًا للشباب هو حضور الإثنين -و إن كان صعبًا-.

ضحى أبا عبدالله بنفسه و أهل بيته من أجل إيصال رسالة خالدة و من أجل غرس صفات نبيلة في نفوسنا نحن كشيعة، و ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، ما نستطيع من رد الجميل لهذا الرجل العظيم؛ لأن مهما قدمنا فإننا لا نوفيه حق ما صنع، ما سيكون موقفنا عندما نتخلف عن إحياء مصيبته بسبب مباراة ليست الأولى و لا الأخيرة؟ و ما سيكون موقفنا إن خرجنا فرحين بإنتصار فريق نشجعه ثم نتوجه للمآتم ليكون محور حديثنا فيها فعل ذلك اللاعب و صنع ذاك؟

ألا نشعر بالحرج إزاء هذه التصرفات التي لم يربنا عليها مأتمه، هذا ليس تعصب و ليس محاولة مني لإظهار تدين و لست بـ "مطوع" و لكن قضية الحسين قضية حساسة تستوجب إعدادًا يسبق موسم عاشوراء بفترة فعن آية الله بهجت أنه قال: "أتركوا المعصية قبل 40 يوم من محرم الحرام لتزداد دموعكم على الإمام الحسين (ع)"، فالإعداد النفسي لإستقبال مصيبته أمر في غاية الأهمية؛ لنكون ممن يواسون أمه الزهراء عليها السلام و الإمام صاحب العصر (عج).

الليلة أترك كل شيء و ليكن همك هو الحسين و مصيبته، فليكن همك من صرخت في مواكبه لاطمًا هاتفًا "لبيك يا حسين"، و تذكر أن الحسين في نفس هذا الوقت قبل مئات السنين كان يسير بركبه يطلب النصرة فلا يجدها، أنصره بتسجيل أكبر عدد حضور في المآتم و لا يغب عن بالك أن هذه المباراة ليست الوحيدة فثمة أخريات نستطيع مشاهدتها و الاستمتاع بها، لكن عشرة الحسين لا توجد إلا مرة كل عام، و لست ممن يضمنون إدراك العشرة في العام القادم! فلنثبت للحسين أنه و قضيته أهم من كل شيء آخر قد تهواه أنفسنا.

جعلنا الله و إياكم من خدمة أبي عبدالله .. مأجورين مثابين

الجمعة، 26 سبتمبر 2014

"أين الضاجون على الجواد؟!"

تمر علينا في هذه الأيام ذكرى استشهاد الإمام المعصوم محمد بن علي الجواد (عليهما السلام) و الذي قضى نحبه في ريعان شبابه ظلمًا و كان ضحية الحقد المتفشي في ناصبي العداء لأهل بيت رسول الله (ص) ، و في ذكراه من الجدير طرح قضية سبق و تم الالتفات لها -ربما- أو التحدث فيها.

يقول صادق آل بيت محمد (ص) : "أحيوا أمرنا ، رحم الله من أحيا أمرنا". مما لا شك فيه أن سلسلة تواريخ استشهاد المعصومين ليست متقاربة، بل متفرقة و موزعة على طول السنة. مما يجعل لبعض المناسبات التي تتقارب من بعضها البعض طابع خاص أو مسمى آخر كموسم عاشوراء مثلًا ، تتميز هذه المواسم بحضور غفير و متفوق على بقية المناسبات -المتفرقة- و هذا قد يكون طبيعيًا وواقعيًا من جهة ، و لكن ثمة ضرر يكمن خفية في الجانب الآخر ، ألا و هو ضعف المشاركة في بقية المناسبات ؛ ستكون فرصة ليفترسنا أعداء المذهب فضلًا عن كونه ثغرة نابعة من نقص التبحث و التفكر في حياة بعض الأئمة المعصومين.

و لتوضيح هذه القضية لو افترضنا أن هناك من سُئل هذا السؤال : "محمد بن علي الجواد أحد الأئمة المعصومين عندكم كشيعة ، هل تستطيع أن تعطيني ٥ مواقف تدل على عصمته و أحقيته بحمل هذا اللقب ؟" ، هل سيتمكن من إيجاد ٥ مواقف ؟ موقفين على الأقل ! - الأغلبية ستكون إجابتهم لا -و هنا هو الخلل- ، لم ؟ الأمر سيكون متوقعاً إنْ نظرنا ملياً في هذا الجيل و الخط الذي بدأ يميل له مع الأيام ، فمساحة التبحث و الاطلاع على حياة الأئمة بدأت تقل مع الأيام ، و صار الاعتماد على محورين -بشكل غالب- هما : مواقع التواصل الاجتماعي و المنبر الحسيني (المواكب و المآتم) ، و كلا المحورين يشتكيان من خلل يعطل عملية إكمال مهمتهما على أكمل وجه.
هذا واقع علينا مواجهته لا تبريره ، و الإمام الجواد (عليه السلام) ليس فقط الإمام المعني من حديثي هذا ، بل أكثرية الأئمة الذين عاشوا ما بعد فترة ابن الحسين علي (عليهما السلام)، فلم يعطهم الزمان و لا شيعتهم -البعض الحالي- حقهم ! فلا الجميع يعلم أن الإمام الجواد كان فتى صغير السّن حين استلم زمام القيادة و قاد كما قاد جده علي بن ابي طالب (عليهم السلام) في عمره المتقدم ذاك، و لم يكن بجوار والده في فترة عيشه ليستمد منه علمه و حنكته ، و هذا دليل على عظم مكانته و أحقيّته بتولي زمام المسلمين في تلك الحقبة .

طبعًا، لا اختلاف أنّ للحسين (ع) مكانة رفيعة منحها الله إياها، فبات فكره و حادثته هما المسيطرتان -تقريباً- و كلنا نعرف المقولة الشهيرة و التي يقولها حتى الأئمة الأطهار (ع)  أنْ لا يوم كيومك يا أبا عبدالله. ومع ظهور جيل لا يتبحث كالسابق فسيكون التلقي من حادثة كربلاء فقط ، و هذا غير كاف لنا نحن كشيعة ! لأن محمد و الحسن و الزهراء و علي (صلوات الله وسلامه عليهم) قد مهدوا لثورة الإمام و الأئمة من بعده مع العالمة زينب الكبرى (عليهم جميعًا صلوات الله) و واصلوا هذه الثورة ، و هي مستمرة إلى قيام القائم (عج) ، الثورة التي أدّاها الإمام الجواد (عليه السلام) و إنْ لم تكن ثورة دم على سيف لا تقل أهمية عن ثورة جده الحسين (ع)، بل هي ثورة فكر و وعي ، ثورة علم و بيان. فقد روي عنه (سلام الله عليه) أنه لم يُبقِ من علم إلا و تحدث عنه .

عند قدوم موسم "محرم / صفر" ، نرى الناس تقوم باقتصاص جزء من وقتها، إن لم يكن الكثير، لحضور المآتم و المواكب ؛ و هذا ما يكسبها حضوراً غالباً على بقية المناسبات ، في حين أن الكثير يجد لنفسه عذراً يتعذر به في حال غيابه عن المناسبات الأخرى - إحياء مناسبات معينة بزخم دون أخرى هو أمر خاطئ لن يعود بالضرر إلا علينا ؛ لأن هذه الشعائر هي الكنز الذي ورثناه من أئمتنا. و لا يغيب عن البال موضوع الاطلاع و التبحث عن الأئمة و ما عانوه لكمية العبر الموجودة في حياتهم المنتفع منها، في مواكبنا ، في طريق الموكب ، في حضورنا ، في التفرغ للحضور ، في البحث ، في النقل ، في النشر ، علينا ألا نظلمهم. علينا التبحث في أئمتنا و حياتهم أكثر و أكثر ، هم هدية ربانية إن تركناها خلفنا سنكتب من الغير مقدرين لنعم الله & لنا جهل يمتطينا !

#مأجورين بمناسبة استشهاد الإمام محمد الجواد عليه السلام

الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

"هل قبلت التحدي ؟!"


هل قبلت التحدي ؟ هيا اسكب عليك دلو ماء بارد مع قليل من الثلج ، و لا تنسى ان تجعل صديقك أو احد اخوانك يلتقط لك مقطع فيديو ؛ لتنشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي كالإنستغرام و السناب جات كي تكون أحد السفهاء المشهورين على نطاق منطقتك ، بلدك أو حتى العالم ! 

لطالما سمعنا عن التقليد الأعمى و تداولت كتبنا و صحفنا ذلك ، و ما يجري اليوم من انتشار لفيديوهات كثيرة من القريبين و البعيدين عنا يقبلون ما يسمى بـ "تحدي الثلج - The ice bucket challenge" هو أحد الأمثلة على التقليد الأعمى و أداة بينت المدى الفكري لأعضاء هذا المجتمع ! 

قبل الحديث عن التحدي هذا من المهم أن نعي سببه ، هي حملة للتبرع لمرضى التصلب العضلي الجانبي الضموري أو الـ"ASL" ، ظهرت بدايةً في أحد البلاد الغربية و انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي عبر مقطع فيديو مسجل. تقوم فكرة عمل هذه الحملة على النحو الآتي ؛ الذي يقوم بقبول التحدي يتبرع بـ 10 دولار ، أو تحدي 3 أشخاص والمتحدين أمام حلين إما قبول التحدي و التبرع بـ 10 دولار ، أو رفضه و التبرع بـ 100 دولار .. و التحدي عبارة عن سكب دلو ماء و الثلج البارد على رأس الشخص.

عندما أرى شاب يسكب دلو مليء بالعصير مع قليل من البيض و المايونيز و الكاتشب ممزوج مع فلل و ثلج ، أعلم إن التحدي أصبح "مهزلة" و خرج عن غايته الأساسية النبيلة ، فاليوم العالم العربي يشهد حملة تبرع بما نسميه بلهجتنا العامية "البصاقة" ، و ان صحنا القول فهي حملة تبرع بالسذاجة لا صلة لها بالتحدي السابق ذكره الا من حيث الطريقة فقط لا غير !
و يزداد الامر تعقيدًا عندما يكون مصدر الهزل (برنامج الواتسب) متدخلًا في الموضوع ، لعل من أكثر الأمور المحرجة و التي لا تطاق ، انتشار مقطع فيديو لرجل كبير في السن يقبل التحدي و يتحدى أعضاء أحد المجموعات المشترك بها في الواتسب و يُسكب عليه الدلو ! - لأي درجة وصل تفكير عقولنا ؟

و لتوضيح المعنى ، فإن الحملة التي قامت للتبرع ليست الخطأ و الخلل التقليد لطريقة الحملة في التبرع دون الانتساب لها ، و الانتساب لها يكون بالتبرع ، فليست مشكلة إن قمنا بابتحدي شرط التبرع ! .. لم نعيب الجيل الذي يلينا إن كان جيلنا و جيل من سبقنا له هذا التصرف ؟
فلنسكب الماء و الثلج على رؤوسنا معبرين عن تفاعل نادر ، لم تحظى به قضايا أخرى يا عُقلاء ! ثمة ما هو أهم حتى من التبرع نفسه ، و هو واجب يفرضه عليكم دينكم قبل عقولكم ، و مبادؤكم قبل انسانيتكم .. 

[ اوتعوا و بلا هرار ]

الجمعة، 22 أغسطس 2014

"لا تطلقوا السهام على مواكبكم !"


ضعف المواكب و قلة المشاركين فيها قضية حساسة على الجميع الإلتفات لها ؛ لأن المواكب هي التراث الحسيني و العرض المذهبي الذي لا يقل أهمية عن منبر المعرفة و الفكر الجعفري (منبر آل بيت محمد) فضلًا عن كونه أحد الطرق التي يتم بها مواساة أهل البيت في أحزانهم ، و ذلك ما دعا له إمام الفكر جعفر الصادق عليه السلام حين قال "أحيوا أمرنا ، رحم الله من أحيا أمرنا".
و في هذا الجانب قضايا و تصرفات عديدة التي من شأنها أن تؤثر على مواكبنا وتكون كالنبال في صدرها ، و سأعرض إحداها .. 

الروح الشبابية الحسينية الحاضرة في اللطم هي روح الموكب و جوهره ، و من دونها قد يحقق الموكب نجاحًا و بعدد كبير أيضًا لكن يبقى في إنكسار لإختفاء هذه الروح فيه ! فالأطفال ، المراهقين و الشباب هم محور هذه القضية ؛ لأنهم الجيل القادم الذي يملأ المواكب دون تخلف -و هذا ما نطمح له- بروحهم الشبابية ، و مستقبلًا لن يبقى الكبار في مقدمة المواكب ليبثوا الروح فيها و إن بقوا ! 
إن ما نراه اليوم من زجر للأطفال و طردهم أحيانًا من مواكبنا تحديدًا في مقدمة الموكب ؛ كون الأطفال بطبيعتهم و المراهقين خاصة يحبوا أن يكونوا مع الشباب مقلدين ما يفعلوه أمر مؤذي للمواكب ، و إن معظم هؤلاء اللاطمين اليوم من الشباب هم نتاج توجيه سابق لدخولهم صفوف العزاء.  

أذكر في فترة طفولتي أن والدي كان يصطحبني للموكب و كنت أرى لطم الشباب و أسمع أصواتهم و ترددات أيديهم النازلة على صدورهم ، و كنت أود أن أكون أحدهم و أفعل تمامًا كما يفعلون و هذا ما شجعني عليه أحد منظمي الموكب حين اخذني لمقدمة الموكب تمامًا حيث كنت أريد. رحت أقلدهم و سعدت بذلك ، لكن بعد مرات قليلة بدأ بعض الكبار بزجري و ابعادي عن مقدمة العزاء ! كان تواجد عمي و صديق والدي في مقدمة الموكب درع حصين جعلني أواصل مشاركتي في مواكب العزاء بالقرب من الشباب دون أن يبعدني أحد ، و حين كبرت أصبحت متعلقًا بالموكب الحسيني و اعتبره شعيرة مقدسة وواجبة عليّ ، في حين إن آخرون من نفس سني مبتعدون عن صفوف العزاء أو متفرجون عليها و منهم من كنت أراه يزجر و يبعد عن مقدمة الموكب.

الجانب التنظيمي هو السبب الرئيسي لإتباع بعض المنظمين ذلك ، كيف ؟ الصغار لا يدركون إن دخولهم وسط صفوف الشباب في الموكب قد يخلق نوع من الفجوة بين الصفوف كما قد يضايق الشباب و يكون سببًا في هبوط الروح -السابق التحدث عنها- ، و ذلك ما لا توده أي جهة معنية بتنظيم أي موكب ، كما إن تقسيم الموكب لصغار و كبار و شباب قد يفرض على المنظمين نوع من التشدد لضمان انضباطه و نجاحه. و لكن ذلك أيضًا لا يبرر تصرفات البعض في زجر الأطفال و الصراخ عليهم لإبعادهم عن مقدمة الموكب حيث يكون الشباب ، فبدلًا من ذلك هناك الكلمة الطيبة التي نكسبهم بها و نحببهم بالموكب أكثر ؛ ليزداد تعلقهم به.

ابتكرت بعض الجمعيات الحسينية و الجهات المعنية بتنظيم مواكب العزاء حلًا حكيمًا بإنشاء ما يسمى بعزاء الأشبال ، حيث إن هذا العزاء يضم الأشبال فقط و هم الفئة المستثيرة لهذه القضية .. و من جهة أخرى من الضروري أن نسلط الضوء على كون الأطفال و المراهقين ينظرون إلى العزاء على انه على طريقة الشباب فقط و غيرهم لا -الشيوبة يعني- ، و هذه النقطة هي ما أثرت في نجاح هذا الموكب و هدفه ، كيف ؟

تغيب الشباب عن الموكب الذي انتج تغيب المراهقين عنه خلف انتشار فكرة إن هذه المواكب هي للأطفال فقط ! فباتت الشريحة الكبرى المشاركة في هذا الموكب هي شريحة الأطفال بغض النظر عن المنظمين. و الحل بسيط وواضح ألا و هو مشاركة الشباب فيه الذي سيؤدي لعدة نتائج ، منها نقل الروح الشبابية للمراهقين و الأطفال و غرسها فيهم ، اكتفاء الأطفال و المراهقين الذي يسهل تنظيم الموكب -الموكب الأساسي- ، بالإضافة إلى تمهيدهم لدخول الموكب و انجاح الموكب مستقبلًا بروح شبابية حسينية ، فضلًا عن نقل هذه الروح للأجيال التي تليهم.

[ هذه الشريحة هي صدر الموكب ، و من مسئولية كل معزي أن يهتم بها ، دمتم لاطمين  ] 

مأجورين بذكرى استشهاد صادق آل محمد عليه السلام ..

الجمعة، 15 أغسطس 2014

"الأنا -الشبح الساكن بالعقول المريضة- عدو النجاح"


زرع في الإنسان رغبة في التطور و التقدم المستمرين منذ أن خلقه الله تعالى ، فهو الطامح ليكون الأفضل و المنافس على الأسبقية الممزوجة بكلمات المدح و الثناء الكثيرتين .. فكلنا بدون استثناء في الجوانب التي نحبها - نميل إليها نتمنى أن نسبق أقراننا إلى قمم النجاح ، و ليس هذا صعبًا ؛ فكما قيل "الوصول إلى القمة سهل ، و لكن البقاء في القمة هو الصعب"

ثمة الكثير من الفخاخ التي يقع بها الناجحون ليسقطوا في حفر الأرض ، منها الظاهر و منها الخفي ، فالظاهر هو ما ترمقه أعيننا ، تسمعه اذننا و يترجمه عقلنا ، في حين إن الخفي هو ما لا نراه و لا نسمعه و لكنه يسكن بدواخلنا و يقود أفعالنا في الغالب .. و مما لا شك فيه على الإطلاق أن الفخ الخفي أكثر خطورة من الفخ الظاهر ، لأنك حينها تقع في فخ لا تراه و احيانًا لا تشعر به نفسك حتى !

من بين كل تلك الفخاخ يتميز أحد الفخاخ و يبرز بحدة مكره و كثرة ضحاياه ؛ إنه الشبح المميت (الأنا) ، يقول تعالى : وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا. و يقول أيضًا : وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فخور. 
كلمة "أنا" ، كلمة تعني الكثير و الكثير ، ولكل فرد حق في ذكرها خاصة في حصر ما حصد و تعديده ، ولكن كثرة تكرار هذه اللفظة تزيد من رغبة سيئة موجودة بالنفس ، و التي قد تنمو و تكبر دون الشعور بذلك حتى ! 

إن أكثر ضحايا هذا الفخ هم الناجحون الواصلون للقمم ، المحققون -ان لم يكن ذالك الجزء من الإنجاز- لإنجاز .. فهم من وجدوا في نفسهم الاكتمال و الاكتفاء ، بل و وجدوا ان اخطاءهم المتناسية -أثناء صعود الجبل- شيء من الماضي فقط ! الناجحون الحقيقيون هم من يعتقدوا بشيء واحد ، و هو إن مهما بلغوا من علم و مهما حققوا من نجاحات لابد من وجود من يفوقهم و يعلوا على نجاحهم نجاح ، و هذا لا يعني التوقف بل المواصلة للأفضل 

[النجاح الحقيقي كالأرقام ، مستمرة إلى ما لا نهاية]

الجمعة، 8 أغسطس 2014

"الكعبة الأسيرة ، تقاوم بنا !"


كلنا -نحن المسلمون- مشتاقة قلوبنا لوصال البيت الحرام و التعلق بتلك الأستار المباركة و الدعاء لذوينا بالفرج و الصحة و العافية ؛ فهذه البقعة طاهرة شرفها آللّھ عز و جل و جعلها قبلة لأمة محمد {ﷺ} حيث قال جل جلاله : ( قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (البقرة: 144) ).
ولكن ثمة من يمارس -ان صحنا القول- فيها أشد أنواع البطش المطلي بالتخلف و المتظاهر بالرقي الخضاري و العقلانية ، فيتأذى المعتمرون - الحجاج لذلك و قد يكونوا سببًا في استصعاب البعض زيارة المسجد الحرام أو النفور منه !

إن الشريحة الأكثر استهدافًا من هذا البطش اللااسلامي هي شيعة أمير المؤمنين (؏) -و ذلك لا يعني عدم وجود شرائح أخرى غير مستهدفة أو متأذية-. يقول رسول آللّھ {ﷺ} : ( من أحب الله فليستعد للبلاء ، ومن احبني فليستعد للفقر ، ومن أحب علي فليستعد لكثرة الاعداء ) ، و هنا تنبأ من نبي الرحمة لما سيلاقيه شيعة أمير المؤمنين بعد رحيله و على مدى بعيد ، و نحن كشيعة علينا التصبر و الثبوت على مبادئنا الأساسية التي منبعها أهل بيت النبوة عليهم السلام ؛ فأخلاقنا و تصرفاتنا و بالخصوص مع هؤلاء يجب أن يكون تمامًا كتصرف ساداتنا عليهم السلام حتى يأذن آللّھ لقائم الآل بالظهور.

يقول تعالى : ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ (الفتح:29) ) ، تمييزنا بسيط و لا يصعب عليهم ! هم يحاولون الإيقاع بنا و محاولة فتح نقاشًا لا يعترفون لنا في نهايته أننا على حق فتكون النهاية إما فوز مزيف بغرض دفع البلاء أو خسارة يعقبها ضربح مبرح ! 
نحن لا نخاف هذا و ذاك ، و لكن قيادتنا تحكمنا فالتصرف مع الجهلاء هؤلاء لا يكون إلا بالتملص منهم و من أحاديثهم و نقاشاتهم العقيمة ، و تجنب التعرض لهم و لكلامهم و لا يعد ذلك خوفًا منهم بل تعقل. و لهذا الكثير من المواقف الغريبة التي ان دلت على أمر فهو ضعف القوم و قلة حيلتهم .. إننا بفكرنا و إيماننا نواسي هذه الكعبة الأسيرة و نمهد لظهور مطهر هذه البقعة ممن ظلموها. 


الثلاثاء، 29 يوليو 2014

"لم ترتدي اللون الأسود ، أليس اليوم عيد ؟!"


كما شيع كمفهوم لدى الجميع بأن اللون الأسود هو لون يدل على الحزن و يرتدى في الغالب في مراسيم الدفن و المواساة ، فأصبح مرتدي السواد هم أناس فقدوا أحد أقرباءهم / أصدقاءهم في مجتمعنا الحالي. 
من الطبيعي ان نجد مثل هذه الترجمات العقلية لكوننا في شعائرنا كمحرم مثلًا نرتدي السواد و نعتبره لون حداد أيضًا ، لكن .. هل الأسود لون حزن فقط ؟!

جواب هذا السؤال موجود في أذهاننا قبل الحروف ، فكلنا نعرف مقولة "الأسود سيد الألوان" ، الكثير الكثير يفضلون الحصول على سيارة سوداء ، أو بنطال أسود أو حتى ساعة سوداء .. فهم بهذا اللون يظهرون نوعًا من الفخامة -كما نسميه بلهجتنا العامية "كشخة"- و لا يعكس ذلك على تعسهم اطلاقًا ! و يكون جليًا في فساتين العرس السوداء و البدلات الرجالية السوداء ، و هي الأكثر انتشارًا.

تقول أحد السيدات : نرتديه في الأحزان تعبيرًا عن الحزن العميق كما نرتديه في الأعراس بشكل مختلف ، فتظهر السيدة بأحسن مظهر ، فالأسود ملك الألوان و لا يعلو عليه لون آخر على الإطلاق لانه يعطي هيبة و شكلًا معينين لا يمكن الحصول عليهما من أي لون آخر.

فالزي الأسود لا يرتدى في المناسبات الحزينة فقط ، فهو يظفي طابع جمالي في المناسبات الأخرى أيضًا.
علينا أن نعي كون مرتدي السواد ليس في حداد أو حزين ؛ فالحزن بالقلب لا بلون الزي المرتدى ، كذلك الفرح .. كما يجب الالتفات لكون لون بشرة الشخص و شكله يحددان أي لون أو طراز يظهره بحلة أجمل تمامًا كقصات الشعر و اللحية.

[اللون الأسود سيد الألوان]

الأحد، 27 يوليو 2014

"قبل و بعد رمضان"


جرت العادة على تهيئة المنزل و تعطيره قبل نزول الضيف فيه ، كما يفرض الآباء قوانين صارمة على أبنائهم طيلة فترة الزيارة .. و ماذا بعد ؟ 
أي و ماذا بعد التوديع ؛ يغادر الضيف و يترك تلك القوانين تتبخر و حال البيت منقلبًا !

تمامًا كشهر رمضان ، الشهر الضيف الذي نستقبله بكل حرارة و نهيأ له أنفسنا ومنزلنا ، ونفرض قوانين صارمة على أخلاقنا وتصرفاتنا .. لكن للأسف فإن هناك صلاحية انتهاء لهذه القوانين ؛ فلا تدوم بعد إنقضاء الشهر بل تختفي في أول بزوغ لهلال العيد ! 

أعجبني قول أحد العظماء حين قال : "فإذا انقضى شهر رمضان المبارك ولم يطرأ على أعمالكم وسلوككم أي تغيير، ولم يختلف نهجكم وفعلكم عما كان عليه قبل شهر الصيام، فاعلموا أن الصوم الذي طلب منكم لم يتحقق، وأن ما أديتموه لم يكن أكثر من صوم الحيوانات."

ومن الملفت للنظر أيضًا هي تلك الرسائل -البرودكاست- التي يتداولها الجميع عن رحيل (إبليس) مع دخول الشهر و ثم تفعيل خدمته بعد الشهر ! .. هل فُرضت علينا العبادة واجتناب المعاصي في شهر رمضان فقط ؟ لن نستطيع الإجابة عن هذا السؤال وطريق المسجد لا نستدله إلا فالشهر ، ولا نجيب عليه أيضًا مادام القرآن يقرأ في شهر كل سنة ! 

علينا بتمديد فترة صلاحية أخلاقنا وتصرفاتنا ، وليكن هذا الشهر لنا نقطة إنطلاقة جديدة مفعمة بأخلاق ديننا الإسلامي السامي.

"زميلي تشاجر معي ، ما العمل ؟"


يقول تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) ، لم يكن البشر يعيشون كلن في حاله يومًا من الأيام ، ولكن كلن مع شريك / زميل / صديق / أخ ... ليشاركه معترك هذه الحياة و يكون فيها بمثابة البهارات في الطعام ، فكانت العلاقات الإنسانية

العلاقات الإنسانية كثيرة و متعددة ، و قد يجد الشخص -استنادًا لفكره ووعيه- علاقة جديدة أو غير موجودة و قد تكون غريبة أحيانًا ، و الإنسان بطبعه يميل إلى العلاقات التي تبعده عن هموم و متاعب الحياة و تجلب له السعادة و الرخاء الدائمين ، الذي يعتقد إن لا وجود لهما بدون من يشاركه اياهما ؛ و لكن إن خلو العلاقات الإنسانية من العقبات -المشاكل- أمرًا شبه مستحيل ، فكل علاقة تعترضها عقبات معينة ت
خلقها البيئة و الاشخاص نفسهم ، و قد يتدخل الزمن و مواقفه ليخلق عقبات أخرى .. فحين إذ يكون العامل الوحيد لتجنب و ازاحة هذه العقبات هو الأشخاص نفسهم و ذلك بإتباعهم اساليبهم الخاصة في إزالة الصعوبات التي تعترض علاقاتهم ، و تتدرج من الطرق السليمة و ذات المفعول القوي إلى الطرق الخاطئة و ذات المفعول الضعيف

 و رغم تعدد الاساليب إلا أننا يمكننا تصور العلاقات الإنسانية على إنها حبل يمسك في طرفيه بيدين ، وكل يد تمثل شخص -احد اطراف العلاقة- و العقبة تمثل يد تمتد لتشد الحبل في أحد الطرفين ، و بمعرفتنا بهذا النموذج سيتضح لنا طرق عديدة للحل .. فلو تصورنا أننا أحد عناصر هذا النموذج و أن احد العقبات قد شدت الحبل من أحد الطرف الآخر فكيف نتعامل مع هذا الوضع حينها ، إن شددنا الحبل فقد يؤدي ذلك إلى انقطاعه وهذا ما لا نريده ، فنطر حينها للترخية من جانبنا حتى نتخلص من العقبة هذه ، و نقس على ذلك الكثير من العقبات التي تعترضنا .. 

فما دام من الصعب ايجاد علاقة خالية من المتاعب و العقبات ، فلنفكر في إيجاد دواء مضاد يحارب هذه العقبات و يتغلب عليها ! فنحن بدون أدنى شك سنقع يومًا في مصيدة العقبات -مادمنا لا نعلم ما تخبأه لنا الأيام- .. فإن تعاملنا مع كل عقبة على إنها يد قبيحة جائت لتفسد الود المتبادل في علاقة ، و هي غير قادرة على ذلك فتأتي متنكرة كل مرة هي الطريقة الأمثل لإفساد مخططها القبيح 
فلنقطع تلك اليد بعقولنا الواعية المتفهمة و الموقنة بمقولة "إن لكل داء دواء" 

[نحن أحبة - أخوة ، و لا يوجد ما يمكن تفريقنا مهما عَظُم] 

الخميس، 1 مايو 2014

"الغربة ، قفص التعلم"


الغُربة - مصطلح انتشر كثيرًا بين المجتمعات حتى بات بعض أبناء الأوطان يصنفون تبعًا لها في فئة خاصة (مجاميع خاصة) كالطلاب المغتربين مثلًا ، و رغم تعدد المفاهيم المنبثقة من هذه الكلمة إلا أننا يمكننا القول بأن الغربة / التغرب ، هو الخروج عن البلد الأم لبلد آخر و المكوث فيه لفترة من الزمن.

"الغربة متعبة و شاقة" ، هذا كل ما سمعته قبل تغربي لإكمال مشواري الدراسي و لم أكن حينها من الخائفين إزاء مواجهة شبح يسكن حديث الناس يسمى الغربة ، و من الجدير بالذكر أن ثمة فئة أخرى تدعم الغربة ، بل و تصفها بالمعلم و المربي.
-غريب !- ؛ سيجول سؤال بين الأذهان بلا شك و هو ما السبب خلف هذين التعليقين المتضادين ؟

بعد ٣-٤ أشهر في تجربة الغربة استطيع القول أنني توصلت إلى جواب مقنع ، و هو يختبأ في كلمة (الغربة) نفسها أو بالأحرى في تعريف هذه الكلمة ، فعند الإبتعاد جسديًا عن الوطن الأم فإنك لا تبتعد عن تراب الوطن فقط ، بل أيضًا عن أهلك و صحبك و هذه هي النقطة المثيرة في هذا الموضوع ، فعدم وجود من يسد مكان هؤلاء الصحب و الأهل -ولو بالقليل- سيعرضك للإصابة بداء اسمه "أشعر بالغربة هنا"

هل يتوجب علينا إذًا أن لا نغترب إلا بصحبة أحد ؟ ان كنا نفكر بهذا المنطلق فنحن مخطئون أيضًا ، وحده الإنسان المتجرد من الاجتماعية و المنطوي سيفكر بفكرة كهذه ؛ فكما الغربة تبعدك عن أفراد فهي تكسبك آخرون قد يفوقون معزتهم و تضحياتهم -لأجلك ، كالوقوف معك في ساعات الشدة- الأفراد الذين تمتلكهم في بلدك الأم ..
كما إن الغربة لا تقتصر على ذلك فقط ، بل تكشف لك أصناف من البشر و تعودك على أنماط عيش جديدة تكون فيها مهيأ للتعايش مع عقليات و عادات بشرية متنوعة و غريبة فضلًا عن دورها الكبير في خلق قاعدة الاعتماد على النفس -في مواجهة الصعاب-

[من أراد الحكمة و العلم ، فليغترب !]

حرر في 21-2-2014

ӡℓõõǐ

السبت، 26 أبريل 2014

"آفة الجيل الجديد"


"المسؤولية" ، مصطلح ضاع بين المعاجم و ابتعد كل الإبتعاد عن معظم شباب هذا العصر ، فأصبح الشباب في هذه الأيام "عديمي المسؤولية" ..

لم ؟ مما لا شك فيه بأن هذه المشكلة هي مشكلة تمس المجتمع فضلًا عن الفرد و على الرغم من كثرة أسباب انتشار هذه الصفة المجتمعية ، يمكننا القول بأن  البيئة المحيطة و التربية المنزلية يلعبان الدور الأكبر في تواجد المسؤولية أو عدمها لدى الفرد ، فهما العاملان الرئيسيان في توجيه البوصلة نحو الطريق السليم الذي تعتمد عليه صفات الشخص لاحقًا.

انتشرت قصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، و عبر بعض برامج التواصل -كالواتسب- تتحدث عن ثمرة كبيرة دخلت داخل زجاجة فتحتها ضيقة لا تتسع لهذه الثمرة ، وذلك لن يكون الا ان ما كانت متواجدة بالداخل منذ صغرها ، تمامًا كصفات البشر ؛ فغرس الصفة منذ الصغر يكون اسهل علينا من غرسها عند الكبر ، حينها يكون صعبًا ولربما مستحيلًا. والذي يختص بهذا الجانب هو التربية المنزلية ، فالتربية هي اساس تواجد بعض الصفات والقيم و غياب بعضها ، وذلك يرجع لأسلوب الأسرة في التربية ، ومن الأساليب التي شاعت في المجتمع حاليًا ، الليونة و اعطاء الطفل كل ما يريد ، بالإضافة إلى جعل الطفل دائمًا في موقع الصواب .. كل هذا من شأنه خدش مسؤولية الفرد في الكبر ، يقول رسول الله (ص) : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه ).

للبيئة المحطية دورًا واضحًا في خلق المناخ الازم لتنمية بعض القيم و الصفات ، و نعني بالبيئة الحالة الأسرية ، المعيشية و العلاقات الانسانية. وفي حال عدم تهيئة البيئة المناسبة يصبح من الصعب غرس المسؤولية لدى الفرد ؛ فالشخص الذي يحتك بالمجتمع و يواجه مشاكله في سعي لإيجاد الحلول ستغرس فيه هذه الصفة أكثر من الشخص المنعزل في منزله ، و لابد من الالتفات إلى أن ذلك لا يعني ترك الفرد يواجه الأمور لمفرده.

قد يفهم البعض المسؤولية على أنها الخروج لجلب حاجيات المنزل فقط ، لا فالمسؤولية هي تحمل عبء القول والفعل الذي يبذر منك و غيابها عن الفرد سيجعله شخصًا اتكاليًا وكسولًا في المجتمع ، ولعل من أخطر النواتج عن فقدان المسؤولية "الاتكالية" ؛ التي ترمز إلى خلل في الاعتماد على النفس والذي يدل على وجود فجوة في المسؤولية ، يقول (ص) : توكلوا ولا تواكلوا. فإن النهي الواضح للرسول (ص) عن هذه الصفة دليل واضح على قبحها.

فلنربي أبناءنا على تحمل المسؤولية ، فنحن لن نعيش لنطعمهم طوال الدهر و لا ننسى بأن الضرر الناتج عن انعدام المسؤولية لا يمس الفرد فقط ، بل يغرس انيابه الحادة حتى في المجتمع.


حرر في 18/9/2013
ӡℓõõǐ

الجمعة، 18 أبريل 2014

"المسنين .. ماذا صنعوا ؟ ماذا قدمنا لهم ؟"


في كل عام وفي الأول من شهر أكتوبر تمر علينا مناسبة يوم المسن العالمي ، فنكرم المسنين ونحتفل بهم كفئة خاصة في المجتمع وذلك عن طريق فئات جماعية أو أفراد ، ولكن من هم المسنين ؟ لوهلة نعتقد أنهم فقط أفراد كبار في السن غلب عليهم المرض وباتوا غير قادرين على مزاولة النشاطات الإنسانية ، وننسى أن المسنين هم آباؤنا و أمهاتنا -تاج رؤوسنا-.

يقول تعالى :{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا... وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} ، فالدين الإسلامي الذي نعتنقه يحثنا حثًا شديدًا على بر الوالدين و الإحسان لهما -المقترن بعبادة آللّھ تعالى- قولًا و فعلًا فيجلب لنا سعادة الدنيا والآخرة. و للأسف يكاد الإحسان يكون منعدمًا في هذا العصر حيث أصبحت كلمة "أف" مجيبًا آليًا لكل أوامر هذين العظيمين متناسين قوله عز وجل :{فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا}. و لا يكون الإحسان -كما في هذه الأيام- برسالة جماعية (برودكاست) معنونة بـ"أحبكِ يا أمي" و  بعض صور الورود و القبلات على الأيدي من أجل النشر في (الإنستغرام) ، بل عن طريق حبهما و التضحية من أجل سعادتهما ، و إنه لأمر محزن أن نرى  انتشار دار لرعاية المسنين (العجزة) في البلدان الإسلامية.

الزوجة / الأبناء / العمل / متطلبات المنزل ، كل هذا وغيرها من الأمور التي تسبب للشخص ضغطًا قد يدفعه للتفكير بطريقة للتخلص من أبويه ! وذلك لكون الأبوين يحتاجون إلى من يرعاهم و يوفر لهم احتياجاتهم وتلك الضغوطات تقف عائقًا أمام ذلك.
الأم تتجرع ألوان العذاب أثناء الولادة والحمل ، وتعيش حالة من الإنقطاع بعدها ثم تخصص من وقت عملها ساعتين لطفلها و احيانًا تتغيب عن العمل لمرض مس ابنها ، كما تربيه وتخاف عليه من كل كبيرة و صغيرة ؛ حيث اثبتت دراسات أن لا حب يفوق حب الأم لإبنها لكونها تحبه أكثر من نفسها حتى ، كما إن الأب يعلم و يصرف كل ما يملك في سبيل توفير متطلبات الطفل ، ولا يمكننا حصر ما بذله الأبوان في سبيل تنشئتنا و رعايتنا طوال سنين ، لأنهم بإختصار قدموا لنا كل ما يملكون ، فهل التزمنا بمقولة "الجزاء من جنس العمل" عندما نقابل ذلك بالصراخ في وجوههم ؟!

لو التزمنا بمقولة الجزاء من جنس العمل ، و قدمنا الغالي والنفيس لوالدينا و ساوينا ما قدموه لنا بما قدمناه نحن ، فهل يسقط عنا حينها فضلهما علينا ؟ سيجيبنا على ذلك سيد الحديث رسول الله {ﷺ} ؛ قال رجل لرسول آللّھ {ﷺ} : إن والدتي بلغها الكبر ، وهي عندي الآن ، أحملها على ظهري ، و اطعمها من كسبي ، و أميط عنها الأذى بيدي ، و أصرف عنها مع ذلك وجهي استحياءً منها و إعظامًا لها ، فهل كافأتها ؟ قال {ﷺ} : لا ، لأن بطنها كان لك وعاءً ، وثديها كان لك سقاءً ، وقدمها لك حذاءً ، ويدها لك وقاءً ، وحجرها لك حواءً ، وكانت تصنع ذلك لك وهي تمنى حياتك ، وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها. فمهما صنعنا في سبيل رد الجميل لهم سنبقى مقصرين ، وذلك لا يعني أن نيأس من رد الجميل ولو بالقليل من خلال احتضانهم ، رعايتهم و توفير كل ما يحتاجونه ، كما إن الإحسان لا يكون مرهونًا بحياتهم فقط ، بل حتى مماتهم من خلال الدعاء و طلب المغفرة لهم ولنتذكر دومًا المقولة الشعبية "الدنيا دوارة" ، فما تصنعه بأبويك سيصنعه ابنك بك.

لنعاملهم حق معاملة ، وليكونوا خطوط حمراء لا نتعداها مهما جرى ، وفي كل زلة نتذكر ما صنعوه في سبيل وصولنا لأعلى المراتب ، فنشكرهم بقبلة حنونة على رأسهم وكلمة تعبر عن حبنا الكبير لهم.


حرر في 1-أكتوبر-2013