في كل عام وفي الأول من شهر أكتوبر تمر علينا مناسبة يوم المسن العالمي ، فنكرم المسنين ونحتفل بهم كفئة خاصة في المجتمع وذلك عن طريق فئات جماعية أو أفراد ، ولكن من هم المسنين ؟ لوهلة نعتقد أنهم فقط أفراد كبار في السن غلب عليهم المرض وباتوا غير قادرين على مزاولة النشاطات الإنسانية ، وننسى أن المسنين هم آباؤنا و أمهاتنا -تاج رؤوسنا-.
يقول تعالى :{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا... وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} ، فالدين الإسلامي الذي نعتنقه يحثنا حثًا شديدًا على بر الوالدين و الإحسان لهما -المقترن بعبادة آللّھ تعالى- قولًا و فعلًا فيجلب لنا سعادة الدنيا والآخرة. و للأسف يكاد الإحسان يكون منعدمًا في هذا العصر حيث أصبحت كلمة "أف" مجيبًا آليًا لكل أوامر هذين العظيمين متناسين قوله عز وجل :{فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا}. و لا يكون الإحسان -كما في هذه الأيام- برسالة جماعية (برودكاست) معنونة بـ"أحبكِ يا أمي" و بعض صور الورود و القبلات على الأيدي من أجل النشر في (الإنستغرام) ، بل عن طريق حبهما و التضحية من أجل سعادتهما ، و إنه لأمر محزن أن نرى انتشار دار لرعاية المسنين (العجزة) في البلدان الإسلامية.
الزوجة / الأبناء / العمل / متطلبات المنزل ، كل هذا وغيرها من الأمور التي تسبب للشخص ضغطًا قد يدفعه للتفكير بطريقة للتخلص من أبويه ! وذلك لكون الأبوين يحتاجون إلى من يرعاهم و يوفر لهم احتياجاتهم وتلك الضغوطات تقف عائقًا أمام ذلك.
الأم تتجرع ألوان العذاب أثناء الولادة والحمل ، وتعيش حالة من الإنقطاع بعدها ثم تخصص من وقت عملها ساعتين لطفلها و احيانًا تتغيب عن العمل لمرض مس ابنها ، كما تربيه وتخاف عليه من كل كبيرة و صغيرة ؛ حيث اثبتت دراسات أن لا حب يفوق حب الأم لإبنها لكونها تحبه أكثر من نفسها حتى ، كما إن الأب يعلم و يصرف كل ما يملك في سبيل توفير متطلبات الطفل ، ولا يمكننا حصر ما بذله الأبوان في سبيل تنشئتنا و رعايتنا طوال سنين ، لأنهم بإختصار قدموا لنا كل ما يملكون ، فهل التزمنا بمقولة "الجزاء من جنس العمل" عندما نقابل ذلك بالصراخ في وجوههم ؟!
لو التزمنا بمقولة الجزاء من جنس العمل ، و قدمنا الغالي والنفيس لوالدينا و ساوينا ما قدموه لنا بما قدمناه نحن ، فهل يسقط عنا حينها فضلهما علينا ؟ سيجيبنا على ذلك سيد الحديث رسول الله {ﷺ} ؛ قال رجل لرسول آللّھ {ﷺ} : إن والدتي بلغها الكبر ، وهي عندي الآن ، أحملها على ظهري ، و اطعمها من كسبي ، و أميط عنها الأذى بيدي ، و أصرف عنها مع ذلك وجهي استحياءً منها و إعظامًا لها ، فهل كافأتها ؟ قال {ﷺ} : لا ، لأن بطنها كان لك وعاءً ، وثديها كان لك سقاءً ، وقدمها لك حذاءً ، ويدها لك وقاءً ، وحجرها لك حواءً ، وكانت تصنع ذلك لك وهي تمنى حياتك ، وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها. فمهما صنعنا في سبيل رد الجميل لهم سنبقى مقصرين ، وذلك لا يعني أن نيأس من رد الجميل ولو بالقليل من خلال احتضانهم ، رعايتهم و توفير كل ما يحتاجونه ، كما إن الإحسان لا يكون مرهونًا بحياتهم فقط ، بل حتى مماتهم من خلال الدعاء و طلب المغفرة لهم ولنتذكر دومًا المقولة الشعبية "الدنيا دوارة" ، فما تصنعه بأبويك سيصنعه ابنك بك.
لنعاملهم حق معاملة ، وليكونوا خطوط حمراء لا نتعداها مهما جرى ، وفي كل زلة نتذكر ما صنعوه في سبيل وصولنا لأعلى المراتب ، فنشكرهم بقبلة حنونة على رأسهم وكلمة تعبر عن حبنا الكبير لهم.
حرر في 1-أكتوبر-2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق