الجمعة، 23 أكتوبر 2015

"سهام الوعي - الرسائل العاشورية غير المباشرة (3) - الرسالة الجامعة"


تكملة لموضوع الرسائل العاشورية غير المباشرة ، و في ذات السياق نستعرض اليوم رسالة أخرى و هي الرسالة الجامعة التي أجمع عليها كل المعلمين و المعلمات في المدرسة العاشورية من حبيب و برير و عابس و جون و العباس و الأكبر و الحسين و زينب عليهم السلام و غيرهم ، فأضفى ذلك على هذه الرسالة أهمية خاصة و فريدة من نوعها جعلتها من أهم الدروس المعطاة في هذه المدرسة ، فما هو هذا الدرس و عنوان هذه الرسالة و فحواها ؟

يبدأ الحسين عليه السلام -هذا المعلم المبدع- بطرح الدرس في موقف مشهور له يوم العاشر من المحرم ليكتب بذلك عنوان الرسالة و أولى سطورها ، و ذلك حين قام عليه السلام بالتوقف عن القتال و البدء بالصلاة مع صحبه ، فلنتصور الموقف ، رماح ، سيوف ، نبال و خيول ، أعداء لا يمتلكون من الإيمان مقدار ذرة و عندهم ذبحه يعادل وزنهم من الذهب ، فكيف يقف سيدي و مولاي أبا عبدالله بينهم يصلي بكل خشوع و هدوء غير آبه بجمعهم و خطورتهم عليه ، غير خائف من الموت - أي رسالة يحمل هذا التصرف ؟ أي أهمية لما يقوم به الإمام المعصوم ؟

عنوان هذه الرسالة الصلاة أجل هذا ما يدل عليه تصرف المعصوم ، و أولى سطور فحواها ، شيعتي حافظوا على الصلاة التي مت أنا في سبيل المحافظة عليها و بذلت كل ما أملك لإبقاءها محفوظة من التحريف الأموي و أدوها في وقتها ، و نحن نشهد بذلك و ذلك حين نقرأ زيارته عليه السلام و نقول "أشد أنك قد أقمت الصلاة" ، و ذلك ما دعى له المعصومين أيضًا حيث قال أحدهم "لا تنال شفاعتنا مستخف بصلاته"-بهذا المعنى- ، و الاستخفاف بالصلاة ليس فقط عدم أداءها بل أيضًا تأخيرها بدون سبب مقنع ، و للأسف الكثير من الأحبة يقعون في هذه الإشكالية ! يبقى السؤال الجوهري هنا "كيف أحافظ على صلاتي ، أصليها بوقتها -لا أكون مستخف بالصلاة-" ؟ الجواب بسيط جدًا و لكن تنفيذه هو الصعب ! الجواب هو حب  الصلاة و التلذذ في أداءها.

أبا عبدالله ، يصعب علينا الوصول لهذه المراتب العالية نحن العاديون ألديك طريقة تبسط الصعب فتحببنا للصلاة ؟ يجيب أبو عبدالله عن هذا السؤال بلسان أنصاره و أهل بيته ، ليشاركوا و يدعموا على هذه الرسالة فيخطون بجوابهم بقايا الرسالة مؤكدين على ما خطه الحسين عليه السلام في السطور الأولى ، و ذلك حين قاموا جميعًا الليل في ليلة العاشر من المحرم و قضوها بتأدية العبادات من صلاة و قراءة أدعية و قرآن ، فهذه هي الطريقة التي تخلق في النفس و تغرس فيها حب الصلاة و الإنجذاب لها ، كما تجعل الشخص يبادر لها في وقتها ، فهو الوقت الذي جعله الله عز وجل لعباده الملبين لنداءه بتأديتها.

رغم وجود جواب لتساؤلنا حول كيفية محبتنا للصلاة ، يبقى أحد العناصر غائب عنا و سؤال آخر يُطرح هنا ، أبا عبدالله سيدي و مولاي نحن اليوم تشغلنا الأشغال و الوظائف ، فمنها ما يبدأ منذ الصباح و حتى المساء و لا نجد غير هذا الوقت لإراحة أنفسنا ، عقولنا و أجسادنا ، أفليس سبيل لقيام الليل أبسط من ذلك ؟! الحسين يعلم بهذا السؤال فأجابكم على لسان عقيلة الطالبيين و كعبة الأحزان أم المصائب زينب بن علي عليهما السلام حين صلت صلاة الليلة في تلك الليلة الموحشة رغم كل ما كان بها من آلام و جروح ، و قد صلتها جلوسًا ، فذا أعظم موقف و أشد مصاب في تاريخ البشرية و زينب ما زالت محافظة على قيام الليل لأنها تربية علي و فاطمة و هي تربينا و تخط السطور الأخيرة لهذه الرسالة بعبارة "أدركوا الثلث الأخير من الليل ، شيعتي حافظوا على هذه الصلاة لأنها السبيل لتحببكم في الصلوات الواجبة".

و بذلك تكتمل عندنا الرسالة من العنوان و حتى السطور الأخيرة فتكون هذه الرسالة غير المباشرة واضحة ، و هذه ليست الوصية الوحيدة لآل بيت محمد في الصلاة فقد أوصى أمير المؤمنين قبلًا بها فقال "هالله هالله في الصلاة فإنها عمود دينكم...".
و نحن اليوم نعاني من عدم التزام و استخفاف بها بعلم أو بدون علم ، فما أقبح ما نفعل ، كلنا نعلم الحديث القائل "الصلاة إن قبلت قبل ما سواها ، و إن ردت رد ما سواها" ، و نحن عندنا الطريقة لتقوية علاقتنا بها و المواضبة عليها من خلال رسالة الحسين و أهل بيته و صحبه ، و هي الرسالة الجامعة ، فما اعظمهم من مدرسين و ما أعظمها من مدرسة و ما أعظمها من رسالة ..

صلاتنا عمود ديننا .. سبب تضحية حسيننا .. منبع توفيقنا .. تعلمنا الدرس .. فلنطبق ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق