الجمعة، 16 أكتوبر 2015

"سهام الوعي - الرسائل العاشورية الغير مباشرة (1)"

عاشوراء مدرسة .. كلنا نسمع بهذه الجملة في مختلف المحافل و الكتب و المقالات ، و نرددها لأن كربلاء فعلًا مدرسة معلميها الحسين و أصحابه و أهل بيته ، و كلهم تفننوا في طرح الدروس ذات العبر المختلفة.
و نحن إذ نعيش أيام عاشوراء نستذكر تلك الدروس و نحاول جيدًا دراستها و الإستفادة منها ، فهي إن صحَّنا القول أحبال نجاة معلقة من السماء لنا.

أنت مدرس و لا تمتلك وقت كافٍ لإعطاء درس واحد و شرحه ، فما الطريقة لإعطاء أكثر من درس في وقت بسيط ؟! هذا السؤال اجاب عليه الحسين بن علي (ع) ، أهل بيته و أصحابه في كربلاء حين أعطوا الدروس الكثيرة و التي لا تنتهي ليومنا هذا في نصف يوم فقط ! و لم يكونوا يفعلوا ذلك إلا لإعتمادهم على أسلوب ذكي في اعطاء تلك الدروس ، حيث اعتمدوا على الرسائل كوسيلة لإعطاءها ، و لا نعني بالرسائل تلك المكتوبة ، لا بل القولية و الفعلية (المواقف) -و يمكن أن تترجم على أنها وصايا-.

الرسائل التي تحاكي العقل و تطرح التساؤلات النفسية و الفكرية هي الرسائل التي تجعل الإنسان يقتنع بفكرة معينة أو حتى يغير قناعته بمنطق ما ؛ فالحاجز العقلي هو الحاجز الصعب التجاوز لأنه حاجز تفكيري قائم على منطق معين و قناعات محددة ، و في حال تجاوزه لا وجود لما يعيق مخاطبة العقل و التأثير فيه مباشرةً ، تمامًا هذا هو أسلوب تلك الرسائل السابق ذكرها ، حيث أنها تعتمد على طرح تساؤلات تكسر هذا الحاجز و تسهل على الشخص استلام العبرة من الدروس التي هي بدورها تؤثر فيه و تغيره.

و الرسائل هذه تنقسم إلى قسمين ، مباشرة و غير مباشرة ، أما المباشرة فهي الرسائل التي جائت مخاطبة فئة معينة بحروف معينة كقول الحسين لشيعته "شيعتي ما إن شربتم عذب ماء فاذكروني..." أو قوله للسيدة الجليلة زينب "لا تَشُقِي علي جيبا..." ، و هذا النوع من الرسائل لا يحتاج للتفكير لاستنباط المعنى ، فالمعنى واضح و جلي. أما النوع الآخر فهي رسائل مجهولة الفئة و لم تذكر بالحرف و إنما تحتاج للتفكير لاستخراج الرسالة المرادة ، و هذا النوع يبين نقاط التمايز بين الذين يدرسون كربلاء من ناحية واحدة فقط أو من عدة نواحي ..

تعددت الرسائل الغير مباشرة حتى صارت أكثر من المباشرة يوم العاشر من المحرم - لماذا ؟ لكونه يرمز لأهمية تلك الرسائل و ضرورة الالتفات لها و التركيز عليها ، فالحسين جعلها مخفية العنوان و الفحوى ليفتح الباب على مصراعيه للاستنتاج و التفكير فيها ، و تزداد أهميتها أكثر عندما تخلق جو من التفكر في قضية الحسين و المواقف العاشورية ذات العبر المتعددة فضلًا عن كونها مكملات لذواتنا و مفتاح لحل الكثير من مشكلاتنا.
و لنا في سلسلة مقالات "سهام الوعي" لفتة لبعض تلك الرسائل إن شاء الله ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق