السبت، 18 يونيو 2016

[هلال خلف السور العظيم (4) - الخِصال المجمدة]

مما لا شك فيه ، أن لشهر رمضان حرمة خاصة ملصوقة في جدار قلب كل فرد فينا ؛ فنهار هذا الشهر نمضيه بلا طعام أو شراب ، و نصوم فيه عن النظر إلى محرم ، التلفظ بما حُرّم ، عن الشتم ، عن  الغيبة و عن و عن ... 
هذا لأننا نريد صيامًا صحيحًا نثاب عليه و يثقل في ميزان أعمالنا ! لم لا ؟ و صوم هذا الشهر مفروضٌ علينا و لنا فيه من الأجر و الثواب ما لا تحصيه رياضياتنا و لا تتصوره عقولنا البسيطة .. 

جميل هو ذاك الصائم الذي يحاول أن لا يرتكب خطأ يُأثم عليه في فترة صيامه مرددًا جملة "اللهم إني صائم" ، و يكمل جماله إن ما ردد هذه العبارة بعد إفطاره ! لكون الكثير ممن يصومون في نهار الشهر الفضيل يعودون للإثم و الخطأ بعد الإفطار و كأن حرمة هذا الشهر خصصت لنهاره دون ليله ، فعلي -مثلًا- يمتنع عن التحدث عن الآخرين في النهار مرددًا "اللهم إني صائم" و ما إن يحين موعد الإفطار لم يبقي شخصًا إلا و تحدث عليه بسوء ، أو نسب له ما ليس فيه (اغتابه) ، و يكون المبرر لفعلته هذه أنه الآن فاطر ! 

هذا يعني أمرًا واحدًا ، علي لم يعي أهمية وجود شهر رمضان في الحياة ؛ شهر رمضان ليس للصوم عن الأكل و الشرب و الامتناع عن معصية لفترة النهار فقط ، بل لتدريب الشخص على ترك المعصية و الإقلاع عنها على فترات حتى يتسنى له اقتلاعها من داخله نهائيًا ، و ما يحصل من نماذج لنفس ما فعله علي يدل على أن هناك خصال سيئة و غير مرتبطة مع أخلاقنا نحن كمسلمين تتجمد في قالب الصوم حتى أذان الفجر ثم تذوب جاعلةً الخصال محررة قيد العمل طوال فترة الإفطار حتى تتجمد مع أذان فجر اليوم الآخر. 

الخصال المجمدة اليوم تبيت بقلب الكثيرين منّا ، منها يجمد في النهار فقط و منها يجمد في الشهر فقط ، فيمر شهر رمضان دون أن نعتبر و دون أن يغير فينا خصلة واحدة حتى ، و نكون بذلك قد خسرنا فرصة ثمينة في حياتنا ، فرصة لا نعلم أتتكرر مرة أخرى أم لا ! 
لن يعي خطورة هذه الخصال الجميع ، فمن يحس بها هو شخص يستشعر وجود الله حوله ، شخص يعرف مدى حاجته لله عز وجل في حياته اليومية ، شخص كالطلبة المغتربين ، هؤلاء الذين يدركون خطورة الوحدة و البعد عن الله في ساعات اغترابهم و مدى تأثيرها عليهم .. 

هذه القضية يجب أن تعالج بمعرفة ضرورة تغيير هذه الخصال ، فهي بالدرجة الأولى تؤثر على علاقتنا بالله عز وجل ، فضلًا عن سلبها لنا أحيانًا للتوفيق الإلهي -الذي من دونه نحن لا شيء- ، كما أن المستقبل الذي ينتظرنا كيف سيكون بخصالنا الحالية ؟ أيها الطبيب ، كيف تعالج الناس و أنت تفتقر لعلاج خصالك المجمدة ؟ أيها المهندس ، كيف تخطط البيوت و العمارات و خطة تغيير خصلة واحدة فيك غير موجودة ؟ أيها المحامي ، كيف تحامي عن المظلومين غدًا و أنت لم تنجح في حمي نفسك من خصالك المجمدة ؟ أيها المحاسب ، كيف ستقوم بعمل حساباتك و لم تقم بعد بحساب كم خصلة من خصالك المجمدة قد اختفت ؟ 

كلنا إن لم نصبح ذوي خلق عالي ، و تتسم خصالنا بالصلاح و الطيبة لن ننجح في أبسط مجالات الحياة و لن نكون هؤلاء الذين يُعتمد عليهم في بناء مستقبل واعد .. فكما نردد "اللهم إني صائم" لردع فعل أو قول ما يكون قبيح  في نهار هذا الشهر ، فلنقم بترديد هذه العبارة بعد الإفطار و بعد الشهر بيننا و بين أنفسنا ، حتى ننجح في تغيير الخصلة المجمدة المراد تغييرها ، الخصلة المجمدة التي تقف كالصخرة في طريق نجاحنا و وصولنا إلى الله .. 
لدينا وقت ، و عندنا فرصة ، فلنستغل ذلك - الحمدلله لأننا ما زلنا نستطيع و نستطيع !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق