الثلاثاء، 7 فبراير 2017

دليل في الغربة (3) - مراحلٌ و أقنعة !


الطالب المغترب و بعد ان يحصل على قبول الجامعة و تصديق اعترافها ، يكون بينه و بين التغرب تذكرة سفر فقط ، فيقوم بإعداد نفسه و شراء ما يلزم لمعيشته هناك و لكن ، هو لا يعلم أنه سيدخل مراحل جديدة في حياته و كلها في إيطار الغربة و كونها جديدة هي لأنها تأتي في حياته خارج وطنه الأم و قد يتفاجئ بهذه المراحل إن كان مغتربًا للمرة الأولى. اطّلاع المغترب الجديد على هذه المراحل سيسهل عليه تطوير نفسه و معرفة من حوله في المجتمع المغترب ، و لذلك هي مهمة و -بوجهة نظري- ضرورية لكل طالب مغترب جديد.


 هذه المراحل لابد للطالب أن يمر فيها ، إن لم تكن كلها فإثنتين على الأقل ، و هم كالآتي :-


1- مرحلة المثالية و التصّنع : هذه المرحلة هي المرحلة الأولى لبعض الطلبة -لا الجميع- ، كون الطالب المغترب يختلط مع اجناس مختلفة و جنسيات و ألوان مختلفة من البشر فهو قد يظهر بشكل غير طبيعته ، يرتدي قناعًا ؟ تمامًا .. هو اشبه بالقناع الذي يكون منظره الخارجي هي الهيئة التي يريد للطلبة الباقين ان يروه عليها ! فترى الطالب في هذه الفترة يتحدث بمنطق و يظهر بمظهر قد لا تراهم كما هم في المراحل المتقدمة ، هذا أمر طبيعي فما من انسان لا يحب أن يكون محمودًا طيبًا و مثل أو نجم في سماء المجتمع

بحجم كونه طبيعيًا إلا أنه يضايق البعض من الطلبة و قد يضطّر البعض الآخر لأتخاذ مواقف معينة ضد الشخص كونه يتصرف بهذه الطريقة خصوصًا أؤلائك اللذين يعرفونه من قبل ، كما ان هذه المرحلة قد تبدأ قبل السفر لبلد الإغتراب حتّى ، مهما يكن .. حتى و ان مررت بهذه المرحلة أو شاهدت احدًا يمر بها فلا تعتقد انها النهاية ، هناك مراحل متقدمة في الغربة .. 


2- مرحلة الحقيقة ، الصداقة ! : هذه المرحلة هي ثاني المراحل التي يمر بها الطلبة اللذين مرّوا بالمرحلة الأولى ، و هي أولى المراحل للطلبة الذين لم يعرفوا التصنع و لم يضغطوا على انفسهم للتأقلم او لكسب الجو العام. في هذه المرحلة لا تصنع ! لا شيء من ذلك اطلاقًا ، يظهر الشخص فيه على حقيقته و بأطباعه ، و هي المرحلة التي لابد لأي طالب مغترب أن يمرّ فيها ، فكل طالب حتى و ان اختفى خلف قناع المرحلة الأولى إن ما تحطم كل القناع فجزء منه ! و في هذه المرحلة تتكون العلاقات و الصداقات ، فاللذين يدنون منك في هذه المرحلة هم أخوة و أصدقاء ، و هم المستعدين للعيش معك و تقبلك بمختلف حالاتك و ظروفك ، عليك بالحفاظ عليهم. الطالب في هذه الفترة قد يكون سعيدًا اكثر من المرحلة السابقة ، كما ان هذه المرحلة في الغربة تسبب الاستقرار و تحدد نمط المجتمع المغترب ، و مدى تفككه او اتحاده ، مهما يكن ، يجب على الطالب نبذ العداوات و تكوين علاقاته المناسبة له دون التعرض للآخرين


3- مرحلة اكتشاف النفس : هذه المرحلة قليل هم من يصلون إليها ، لأنها مرحلة مفتوحة و متصلة بالمرحلة التالية (المرحلة الرابعة) و هي تعني بأن الطالب المغترب ينظر في نفسه و عيوبه ، و يعرفها اكثر من ذي قبل ، و هو الأمر الذي يضطّره للسكوت عن عيوب الآخرين و الإكتفاء بنفسه ، و هي باب لتصليح تلك العيوب و الارتقاء بالشخصية و الذات. لا تتعجب عندما تعرف انك الآن تعرف أمور عن نفسك لم تكن تعرفها من قبل ، لأن الغربة ابسط ما تقوم به هي نزع تلك الاغطية عن نفسك ، فتعرّيها و تكتشف فيك أمور لم تعلمها و لربما لم تكن تتوقعها ! و هذا أمر طبيعي ، فمن استتر و اعجبته نفسه لم يدخل هذه المرحلة و لا بشكل من الأشكال ، و من وقف مع نفسه وقفة و أمعن و دقق و اكتشف فهو يخوض هذه المرحلة و هو انسان ابسط ما استطيع وصفه به إنه رائع


4- مرحلة التغيير ، تحوّل العادات : إن هذه المرحلة مربوطة و مرهونة بالمرحلة السابقة ، أي أنها لا تحصل إلّا اذا خاض الشخص في غمار المرحلة السابقة ، في هذه المرحلة يبدأ الشخص بتصليح ما يجب تصليحه و يحاول تغيير عاداته السيئة و الكريهة ، و سواءًا نجح في ذلك أو اخفق ، فهو طالب يحق للوطن الإعتزاز به و الطلبة النادرون اللذين يصلون لهذه المرحلة هم المبدعين و اللذين يعتمد عليهم الوطن في أصعب المواقف ، مجرد التفكير في التغيير شيء يمدح عليه الشخص ، لا ترتفي الذات إلا هكذا


5- مرحلة "النهاية" : هي آخر مرحلة يصل لها الطالب المغترب و ثاني مرحلة لابد للطالب المغترب أن يعيشها أو يمر بها ، مرحلة النهاية هي مرحلة انتهاء فترة الغربة و العودة للوطن سواءًا اكمل الطالب دراسته أو لا ، أو عاقه ظرف من الظروف عن ذلك ، الطالب في هذه المرحلة يحدد ما إذا كانت تجربة الغربة مفيدة له أو لا و مدى الاستفادة من الغربة ، إنها ختام مراحل الغربة


و أنت تمر بهذه المراحل ، و أنت تقرأ عنها ، و أنت تعيشها احذر ثم احذر التفكير في كونها النهاية ، و دائمًا هناك مراحل اخرى متاحة ؛  فلا تستعجل مرحلة النهاية قبل أوانها ، و تذكر أن هناك رب رحيم قادر على تذليل الصعاب لك إن ما وثقت فيه ، قد يكون للآخرين رأي آخر في مراحل الغربة هذه ، هي ليست قرآن منزل ، كتبتها من خلال تجربي و عيشي في بلاد الغربة بضع سنين

هناك تعليقان (2):